السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هنا أكمل حديثي السابق عن الأمور التي اعتبرتها جوهرية في مجال التنويم الإكلينيكي، والتي كنت أتمنى أني عرفتها في بداية مشواري،غير أني وللأسف لم أدرك كثيرا منها إلا بعد سنوات من الممارسة والتطبيق في هذا المجال الغامض. أريد من خلال هذه السلسلة أن تشاركوني هذه الأمور على أمل اختصار الوقت والجهد لديكم لتصلوا سريعا للاحترافية بإذن الله تعالى.
كنا قد بدأنا في المقال السابق بالأمر الأول : التنويم و أحلام اليقظة.
2) إفراغ المثانة: قبل بداية أي جلسة تنويم لابد التأكد من خلال سؤال المستفيد “هل أنت بحاجة لدورة المياه قبل أن نبدأ في جلسة التنويم؟”، تبدو أهمية هذه المسألة في انه لو احتاج المستفيد أثناء جلسة التنويم لدورة المياه وتحرج من طلب ذلك فان هذا سينعكس سلبا على حالة الاسترخاء الجسدي والذهني الذي نسعى لتحقيقه، وبالتالي ستؤثر بدورها على نتائج الجلسة، لكنك بسؤالك له سوف ترفع عنه الحرج وتتيح له الذهاب دون خجل أو تردد.
3) قبل البداية في الجلسة يجب أن تعطي المستفيد معلومات كافية عن التنويم و الهدف من الجلسة، فمن الأسئلة الأكثر شيوعا والتي يرددها المراجعين على مسامعي:
س/ ما الذي سأشعر به خلال هذه الجلسة؟
ج/ سوف تشعر باسترخاء وهدوء و البعض قد يشعر بتنميل في الجسد، والبعض قد يشعر بالخفة وكأنه يطير، و آخرون يشعرون بثقل في الجسم وكأنه ثقيل جداً ولا يستطيع الحركة ولكن بالتأكيد الجميع يشعرون بشعور إيجابي وراحة أثناء وبعد الجلسة.
س/ هل من الممكن أن أفقد وعييّ أو أدخل في غيبوبة ولا أتذكر الجلسة؟
ج/ لا.. لن تفقد وعيك أبدا، وسوف تكون معي وتسمعني طوال الجلسة ولكنك ستكون في حالة من التفتح الذهني العالي لقبول اقتراحاتي الإيجابية، وفي حالة التنويم ستنشط مهارة الإبداع والخيال وسوف نستفيد منها سويا للقيام بتدريبات ذهنية تساعدك على تطوير نفسك بإذن لله تعالى.
س/ هل ستجعلني ابوح بأسراري الخاصة؟
ج/ في جلسة التنويم لن يجبرك أي شخص على ذكر أي معلومة لا ترغب في مشاركته بها فأنت لن تفقد أبداً السيطرة على نفسك ولكن سوف نتعاون أنا و أنت لنفيدك في الأمور التي ترغب في التعامل معها والتي هي سبب زيارتك لي اليوم.
س/ ما الذي يجب عليّ القيام به خلال الجلسة؟
ج/ المطلوب منك أن لا تحاول إرغام نفسك وبذل جهد مضاعف في الوصول لحالة التنويم، ولكن أسمح لنفسك أن تدخل في حالة التنويم وستدخلها بكل سهولة. دائماً من يحاول ببذل المزيد من الجهد يجد صعوبة أو مقاومة، لكن وعلى العكس من ذلك فان من يسمح للجلسة بان تسير بانسيابية دون التركيز على مدى وصوله لحالة التنويم سوف يستفيد أكثر وسيحصل على تنويم أعمق. فبعض الأشخاص يركز على مسألة هل دخلت بالفعل في حالة التنويم أم لا؟ وهذا يخرجه من الحالة لأنه لن يجد جواب ما يبحث عنه الا وهو في حالة اليقظة، نصيحتي “اسمح لنفسك بالاستفادة من الجلسة بأكبر قدر ممكن”.
4) توجد طرق كثيرة لإحداث حالة التنويم Hypnosis Induction و جميعها هدفها نقل النشاط الذهني من الفص الأيسر إلى الفص الأيمن من الدماغ. فالفص الأيسر يختص بالمنطق والكلام و الأرقام و التحليل أما الفص الأيمن فيختص بالخيال والإبداع والألوان. ومن الطرق الشهيرة لإحداث التنويم :
– طريقة الاسترخاء المتزايد:
أكثر الطرق استخداما في العالم وهي تهدف إلى الإرخاء البدني والذهني من خلال الإيحائي للوصول لحالة التنويم. وسبب انتشارها أنها طريقة مريحة لكل من يعاني من اضطرابات القلق بمختلف أنواعها مثل (الفوبيا والمخاوف، القلق العام، القلق الخاص، نوبات الهلع، الوسواس القهري، الرهاب الاجتماعي). والبعض يعتقد أن الاسترخاء هو نفسه العلاج بالتنويم، وهذا غير صحيح فالاسترخاء أحد الطرق المستخدمة من اجل للوصول لحالة التنويم، فالاسترخاء بمفرده لن يعالج مواقف في الماضي او يغير قناعات سلبية فلكي تقوم بذلك لابد من استخدام تطبيقات العلاج بالتنويم الإكلينيكي.
– طريقة ديف إلمن:
وهي طريقة اشتهرت بين المعالجين بالتنويم لأنها تحدث تنويم عميق في أول جلسة من خلال إحداث التنويم وإخراجه منها عدد من المرات خلال الجلسة مما يعمق التنويم لدى المستفيد. والفكرة في طريقة ديف ألمن هي أنه وجد ان المستفيد يدخل في تنويم عميق جداً بعد عدد من الجلسات مع المعالج. لذا جرب ديف ألمن أن يكرر إدخال و إخراج المستفيد عدد من المرات في نفس الجلسة حتى يصل لنفس النتيجة، و هذا ما حصل عليه بالفعل فقد أستطاع بطريقته المتميزة أن يصل إلى تنويم عميق في الغالب لا يصل إليه المستفيد إلا بعد مرور عدة جلسات.
– طريقة التنويم السريعة Rapid Induction:
وهي طريقة سريعة جداً لإحداث حالة التنويم وتعتمد هذه الطريقة على عامل المفاجأة وإحداث حالة ذهول في العقل و إتباعها بتعليمات سريعة خلال ثواني، والسبب في ذلك أن العقل الباطن يصبح قابل للإيحاء بشكل قوي عندما يكون في حالة الذهول أو الصدمة. وفي الغالب نجد أن المشكلة في الأساس كانت إيحاء سلبي أو قناعة تلقاها الفرد خلال موقف صدمي أو حدث فجائي. فالعقل الباطن يكون ضعيف في هذه الحالة ويتقبل أي الأمور الإيجابية والسلبية على حد سواء، ولهذا تتضح أهمية فترة العزاء وتذكير الناس بكل ما يساعد على تخطي مشاعر الحزن والفقد. و يمكن الاستفادة من نفس الفكرة لإحداث حالة تنويم للمستفيد من خلال القيام بإحداث تنويم مفاجئ لمستفيد تسبب حالة ذهول لمدة ثواني معدودة يستغلها المعالج لإحداث تنويم للمستفيد بسرعة كبيرة. وهذه الطريقة لا ينصح باستخدامها في الجلسة الأولى حتى يبنى نوع من الثقة بين المستفيد والمعالج.
ومن أشهر هذه الأساليب والتي أستخدمها في جلساتي هي طريقة التنويم في 6 كلمات.
– طريقة ميلتون أركسون:
أشتهر الطبيب ميلتون اركسون بطريقة فريدة من نوعها فهي تعتمد على الغموض اللغوي والذي يحدث إشغال للعقل الواعي و حالة من الانفتاح وتقبل الاقتراحات لدى العقل الباطن. وكما هو معروف عن ملتون اركسون أنه لا يطلب من المستفيد إغلاق عينه كما عهدنا في الطرق الأخرى، وهذا يثبت أمر غاية في الأهمية وهي أن حالة التنويم الإيحائي ممكن الوصول إليها بدون إغلاق العينين. فمن شاهد ميلتون أركسون في جلسة تنويم سوف يشاهده وهو يتحدث للمستفيد وهما جالسين في وضع طبيعي وجها لوجه ( لا يستخدم كرسي مريح للاسترخاء) ويتحدث إليه بلغة إيحائية متميزة و التي أشتهر بها وأصبحت مدرسة يستفاد منها في تعلم لغة الإيحاء والتأثير في جميع مجالات الحياة وليس فقط في المجال العلاجي.
– طريقة تثبين العينين Eye fixation induction :
دائما ما نشاهد في الأفلام المنوم المغناطيسي يطلب من المستفيد أن يركز على شيء معين مثل عينة أو ساعة أو أصبع من أصابعه. و الطريقة المثلى في جلسة علاجية هو الطلب من المستفيد أن يركز إما على رأس قلم أو على نقطة في سقف الغرفة. والهدف من هذه العملية هي إحداث إجهاد عضلي في منطقة العينين فيشعر المستفيد برغبة قوية لإغلاق عينه وعندما يشاهد المعالج أن المستفيد قد وصل إلى قمة الإجهاد في منطقة العينين يسمح له أن يغلقهما بكل هدوء ويدخل في استرخاء عميق وينتشر هذا الاسترخاء في جميع أجزاء جسده.
– طريقة دحرجة العينين Eye Roll Induction:
هذه الطريقة مفيدة لسببين: أنها تدخل المستفيد في حالة تنويم، وفي نفس الوقت تعتبر قياس جيد لمستوى قبول المستفيد للتنويم الإيحائي. ويتم تطبيق هذه الطريقة من خلال الطلب من المستفيد أن يرفع عينية إلى أقصى درجة ممكنة و يقوم بمحاولة إنزال جفنية إلى الأسفل بينا يستمر برفع عينة إلى أعلى فسيجد المستفيد الصعوبة في ذلك و إرهاق في منطقة العينين و توتر في الجفنين. وبعد ثواني من المحاولة يقوم المعالج بالسماح له بأن ينزل عينيه ويغلق جفنيه بشكل طبيعي فيشعر المستفيد باسترخاء كبير بمجرد إغلاقهما. و هي مفيدة لقياس مستوى التنويم، فمن خلال مشاهدة المعالج للمستفيد سوف يلاحظ مدى استطاعة المستفيد إسدال جفنيه بينما هو مستمر بالتركيز إلى الأعلى. فإذا أستطاع المستفيد أن يخفي منطقة البؤبؤ والقزحية (المنقطة الملونة من العينين) وتمكن من إظهار المنطقة الصلبة من العينين (المنطقة البيضاء). فيصبح شكل المستفيد وكأنه دحرج عينه إلى الخلف وهذا سبب التسمية. فكلما ظهر أكبر قدر من المنطقة البيضاء كلما دل على قابلية أكبر لتنويم و العكس صحيح.
توجد طرق أخرى كثيرة و أساليب متنوعة وكلها تحدث حالة تنويم للمستفيد ويمكن الاستفادة منها، وذكرته هنا هو فقط أمثلة لأشهر الطرق وأكثرها استخداما حول العالم.
ولكن لابد أن نعلم أنه ليس الهدف من جلسة العلاج بالتنويم الإكلينيكي إحداث تنويم للمستفيد فقط وإنما الهدف العلاج والتغيير فحينما تحدث تنويم إيحائي للمستفيد فأنت فقط جهزت المستفيد للعلاج واستخدام تطبيقات العلاجية و التمارين الذهنية من خلال التخيل والتوجيه لإحداث التغيير المطلوب.
وحتى تصل الفكرة بشكل أفضل: إحداث التنويم للمستفيد Hypnosis Induction شبيه بإسعاف يوصل المريض إلى المستشفى، وأما العلاج بالتنويم فأشبه بعملية إدخاله المستشفى وعلاجه. فكثير من الممارسين المستجدين في التنويم الإيحائي يتدرب بشكل جيد في عملية إحداث التنويم ولكن بعدها لا يعلم ماذا يفعل، قد يبعث ببعض الرسائل الإيجابية وبعدها ينهي الجلسة. وهذه في الحقيقة لا تعد جلسة علاج بالتنويم الإكلينيكي، وكما ذكرت في المقالة السابقة أن هناك الكثير من التطبيقات الذهنية التي يتم توجيه المستفيد لها لإحداث تغيير على مستوى العقل الباطن.
======================